الفائز بالدورة الثانية

معلومات شخصية 

كان أتشيوت سامنتا – مؤسس معهد كالينجا للعلوم الإجتماعية ومعهد كالينجا للتكنولوجيا الصناعية – في الرابعة من عمره عندما توفي والده تاركًا إياه ووالدته مع سبعة من الإخوة في فقر مدقع ومعاناة كبيرة. وبدلًا من أن يترك نفسه ضحية للاكتئاب، بدأ أتشيوت سامنتا منذ الصغر في سن السادسة، العمل مثقلًا كاهله بمسئولية إعانة عائلته.

 

وضعت هذه النشأة المتواضعة حجر الأساس لمستقبله المهني. ففي 1992، خطا أولى خطواته في مجال الخدمة الاجتماعية بهدف وحيد؛ ألا وهو تقديم تعليم عال لأعضاء المجتمع الأقل حظًا اجتماعيًا واقتصاديًا وعليه توفير الفرص لهم للتحرر من الفقر.

 

تميزت رحلة الدكتور سامنتا بالقوة والصبر حيث أسس كلًا من معهد كالينجا للتكنولوجيا الصناعية ومعهد كالينجا للعلوم الإجتماعية على أعمدة قوامها القيم الأخلاقية القوية. واليوم، يعد معهد كالينجا للتكنولوجيا الصناعية جامعة عالمية مغايرًا لما بدأ عليه كاستثمار قيمته 5000 روبية هندية فقط. كان حلم الدكتور سامنتا آنذاك يقتصر على ألا يصبح الفقر عائقًا لتعليم أي شخص. وقد تسارعت جهوده ليخلق جنة على الأرض سماها معهد كالينجا للعلوم الإجتماعية والذي يخدم في يومنا هذا 25000 طفل من المجتمعات القبلية المحرومة.

الدكتور أتشيوت سامنتا

الفائز بالدورة الثانية - 2015

الدكتور سامنتا – أسطورة حية

يوصف الدكتور سامنتا على نطاق واسع بأنه أسطورة حية ليس فقط بسبب رحلته الخارقة للخروج من الفقر وإنما أيضًا بسبب سعيه الحثيث لمساعدة هؤلاء القابعين في قاع الفقر والجهل والإهمال. فقد واجه بشجاعة حقيقية محن الحياة، وأخذ على عاتقه أن يطارد حلمًا لتحسين حيوات من هم في قاع الحياة الإقتصادية والإجتماعية من أهل أوديشا القبليين. فقد كان من السهل عليه أن يحتفظ لنفسه بما اكتسبه من إرادة وسمعة وموارد في معترك الحياة، ولكنه بدلًا من ذلك اختار أن يستثمر لصناعة حياة أفضل للفقراء والمطحونين. فهو يعيش في منزل مستأجر، يرتدي ثيابًا بسيطة، يطبخ طعامه لنفسه ولا يمل أبدًا من وضع ابتسامة معدية توضح سحر الشباب داخله رغم عمره الخمسيني.

 

تحد الفقر والطفولة المشردة

كافحت والدة الدكتور سامنتا بشدة بعد الوفاة المفاجئة لزوجها والتي تركت عائلتها كلها في فقر مدقع. فلم يكن باستطاعتها أن تقدم لأطفالها أكثر من منزل خرب مسقوف بالقش في القرية التي كانوا يعيشون فيها. ولم تقدم لهم أكثر من عصيدة الأرز والسبانخ كغذاء لأن هذا كل ما كانت تستطيع شراءه بدخلها الشحيح. ومع هذا، لم تثبط مواجهة الفقر في بداية حياته من عزيمته، بل واجه تحديات الحياة بهدوء وثبات وتصميم ليس له مثيل للتغلب على السلبية والتشاؤم اللذان عادة ما يحيطان الأشخاص الذين يغتال القدر أحلامهم. وقد يبدو حلم التعليم للبعض في مثل هذه الظروف ضرباً من ضروب الجنون، ولكنه بالضبط ما حدث. فكأن إلهام السماء هو من قاده، تبع سامنتا الأولاد الكبار من القرية في طريقهم للمدرسة. وخضع مدير المدرسة في النهاية لوجوده متفاجئًا بتصميمه على البقاء في الفصل ممهدًا بذلك الطريق لرحلة الدكتور سامنتا الأكاديمية من المدرسة الابتدائية للثانوية، ومن المدرسة الثانوية للكلية للجامعة. في النهاية، حصل الدكتور سامنتا على درجة الماجستير في الكيمياء؛ الدرجة التي منحته وظيفة محاضر في كلية في بوبانسوار، عاصمة الولاية الهندية الشرقية أوديشا.

 

وتتجلى خطة القدر

بدت الحياة مريحة للمحاضر الصغير، إلا أن القدر كانت له خطة أخرى. فقد كانت تجربته مع الفقر في طفولته تحرك داخله رغبة عارمة لعمل شيء للتخفيف عن معاناة أفراد المجتمع الأقل حظًا. وإيمانًا منه بأن التعليم يُمكّن الإنسان، بدأ في وضع خطته موضع التنفيذ. وبينما يتابع تعليمه الجامعي في بوري ودراسته العليا في أوتكال في جامعة بوبانسوار، بدأ في زيادة منحته الدراسية الزهيدة بإعطاء دروس خاصة للطلاب. وكان لهذا الفعل البسيط الأثر الكبير في اكتشاف الأخصائي الاجتماعي بداخله. فتطلع قدمًا لتمكين الأطفال الصغار قليلي الحظ معدومي الوظيفة الذين لم يستطيعوا النجاح أكاديميًا. في 1993، لاحت له الفرصة حيث أخذ كل مدخراته التي تقدر بـ 5000 روبية وبدأ معهدًا تدريبيًا صناعيًا في مبنى من حجرتين في بوبانسوار. ما تلى ذلك لم يكن رحلة عادية بل معجزة حولته إلى أيقونة في المجتمع الأكاديمي.

 

بذور المشروع

زرعت المحن التي واجهها في بداية حياته بذور حب المغامرة في حين قاده القدر إلى مجال المشاريع التعليمية. في نفس الوقت الذي بدأت فيه المعاهد الأكاديمية في التدهور وعدم القدرة على مواجهة تحديات المجتمع المتغير، أعطى عقل الدكتور سامنتا المتجدد الشرارة لبداية معهد تعليمي أصبح مثالًا يحتذى به. وأصبح معهد كالينجا للتكنولوجيا الصناعية أكبر كتلة تعليمية في مدينة بوبانسوار. ووقفت جامعة معهد كالينجا للتكنولوجيا الصناعية بمساحة كلية تقدر بـ 7,5 مليون متر مربع ضامة مبان رائعة لـ 20 حرم مستقل مزود بأحدث التسهيلات.

 

ميلاد معهد كالينجا للتكنولوجيا الصناعية

كوفئ معهد كالينجا للتكنولوجيا الصناعية على تميزه الأكاديمي من قبل الحكومة الهندية. في 2004، كان المعهد أحد المعاهد الصغيرة في الهند التي حازت على درجة الجامعة في إنجاز ذكره كتاب ليمكا للأرقام القياسية. ويعد معهد كالينجا للتكنولوجيا الصناعية في يومنا هذا واحد من أفضل 15 جامعة في الهند وقد حصل على المركز الرابع كجامعة ممولة ذاتيًا كما أظهرت الاستطلاعات المستقلة. وقد نمى معهد كالينجا عبر الأعوام ليقدم مجموعة مختلفة من الدورات الدراسية الفنية والمهنية. كانت البداية هي تقديم دورات دراسية في الهندسة وماجستير في تطبيقات الحاسب الآلي وماجستير إدارة الأعمال، إلا أن معهد كالينجا ما لبث – فقط خلال 15 عامًا – أن أضاف برامج مثل إدارة الهندسة الريفية والقانون والتكنولوجيا الحيوية والعلوم الطبية والتمريض وعلوم طب الأسنان وتكنولوجيا الموضة وعلوم الإعلام والأفلام والنحت والعلوم الإنسانية واللغات والدراسات الروحية واليوغا. ويسعى أكثر من 18000 طالب من مختلف أنحاء الهند وخارجها للحصول على مختلف برامج الزمالة لمراحل التخرج وبعد التخرج والدكتوراة وما بعد الدكتوراة. ولا يتميز المعهد بالكفاءة في المعمار فقط بل أيضًا في الحفاظ على جودة التدريس والبحث والاختيار الموفق للخريجين في الحرم الجامعي عبر السنين. وعليه، حازت الجامعة على أعلى الدرجات من مجلس الاعتماد والتقييم القومي في لجنة المنح المتحدة United Grants Commission (UGC) والمجلس الوطني للاعتماد لمجلس الهند جميعها للتعليم الفني National Board of Accreditation of the All India Council for Technical Education (AICTE).

 

ميلاد معهد كالينجا للعلوم الإجتماعية: المشروع الخيري المذهل

لم يكن معهد كالينجا للتكنولوجيا الصناعية حلم دكتور سامنتا وحده. ففي نفس الوقت الذي كانت تلك الجامعة العالمية تتخذ شكلها على أرض الواقع، كان الدكتور سامنتا قد بدأ بالفعل في وضع خطة لتمكين أطفال القبائل المهمشين والفقراء في الولاية من خلال إيجاد فرص متكافئة لهم. وإيمانًا بمبدأ أن “الأمية تولد الفقر والتعليم يستأصل جذوره” أسس الدكتور سامنتا مدرسة صغيرة عام 1993. وهكذا تأسس معهد كالينجا للعلوم الإجتماعية بجوار معهد كالينجا للتكنولوجيا الصناعية لتقديم تعليم وسكن مجانيين ومرافق داخلية للطلاب الآتين من القرى. وقد تحولت هذه المدرسة الصغيرة إلى مدرسة قروية سكنية ضخمة توفر التعليم المجاني من مرحلة الروضة إلى مرحلة الدراسات العليا. ويقف هذا الصرح المستقل المزود بأحدث التقنيات منيرًا كعلامة بارزة متفردة في العالم ليخدم أكثر من 25000 طفل وشاب من أفقر سكان المجتمعات القبلية.

 

معهد كالينجا للعلوم الإجتماعية: العصا السحرية للتغيير الحقيقي

إن رؤية الدكتور سامنتا تتمثل في توفير تعليم ذي جودة وفرص حقيقية لأفقر الأطفال من سكان المجتمعات القبلية داعمًا بذلك تنميتهم الشاملة وموفرًا لهم الخبرات الحياتية التي تعيدهم للمنظومة العامة. وقد ساعد الحب والاهتمام أطفال القرى على التألق في مختلف المجالات، من تمثيل الهند في الفعاليات الرياضية العالمية للتفوق في الامتحانات التنافسية المتنوعة، بحيث برهن أطفال القرى على اعتقاد دكتور سامنتا الراسخ بأنهم يمتلكون نفس مستوى – وفي بعض الأحيان مستوى أكثر تفوقًا من – نظرائهم المدنيين عندما تتاح لهم الفرصة. ويتسم أداء الطلاب الأكاديمي بالجودة، فعلى مدار السنين العشر الفائتة كانت نتائج النجاح تصل لـ ١٠٠٪ دون أي رسوب. وقد تفوق الطلاب في الرياضة أيضًا ومن الأمثلة على ذلك رياضة الرجبي التي أظهر طلاب معهد كالينجا للعلوم الإجتماعية شغفًا خاصًا بها. ولا تعد هذه الرياضة شائعة وسط سكان الولاية ولهذا كان اختيار سكان القرى البعيدة لها مفاجئًا. ومما لا شك فيه أن الدكتور سامنتا سيظهر كمدافع قوي عن التعليم في القرى والقبائل وسيتبوأ موقعه كرائد لحقبة جديدة يجد فيها أكثر الأشخاص حرمانًا الفرصة للتعبير عن رأيه.

 

قصة الدكتور سامنتا: حياة بسيطة وتفكير عميق

يجد الدكتور سامنتا الرضا الكبير في اتباع أسلوب حياة غاندي. فمع أنه يستطيع العيش مرفهًا، اختار أن يقود حياة بسيطة فلا يعني المال أو الرفاهية شيئًا بالنسبة له. يشهد على ذلك نظامه الغذائي النباتي وملابسه الزهيدة وابتسامته المحببة، الأمور التي من شأنها كتابة المجلدات عنه. وهو يشارك الآخرين آلامهم ويعمل على تغذية قلبه العطوف الحنون، فهو لا يتوق لمنزل أو حساب بنكي مكتظ بالأموال بل يؤمن بأن إعطاء الآخرين هو الرفاهية الأعظم في الحياة. وكان هذا هو السر خلف النمو السريع للمؤسستين التعليمتين العملاقتين ومشاريعه الأخرى. ولهذا كان كفاحه وتضحيته وبساطته أثمن من أي شيء يمكن للمال شراءه. وعن حبه الكبير للإنسانية، فإن اهتمامه بأمراض المجتمع هو ما أكسبه حبًا كبيرًا داخل البلاد وحول العالم. فتجد المجلات والصحف والمنشورات الإقليمية والوطنية والعالمية تمدحه وتثني على أعماله، واحتل ظهوره مساحة في مجلة التايم والأوتلوك وإنديا توداي وريدرز دايجست وعدد آخر من المنشورات. هذا ومُنح الدكتور سامنتا درجات الدكتوراة والأوسمة المرموقة من جامعات داخل الهند وخارجها ومن كثير من الحكومات.

 

أتشيوت سامنتا: حفر الطريق لخدمة الإنسانية

إن الدكتور أتشيوت سامنتا رجل بألف حلم. ولكنه لا يحلم بهم في خياله فقط بل يناضل من أجلهم حتى يعطيهم شكلًا ملموسًا. فهو يعمل على قضية اجتماعية جديرة بالاهتمام متسلحًا بالإيمان والقناعات اللذين يحركهما الجهد الصحيح، ومن ثم يكون النصر حليفه دون شك. إن أي شخص يفقد والده في الرابعة من عمره ويعيش دون دخل ثابت في وجود البطون الجائعة الكثيرة من حوله يقاد إلى حافة اليأس، ولكن هذه الظروف لم تمنع الدكتور سامنتا من تحقيق المستحيل. وفي رحلته الطويلة من الروضة وحتى ماجستير الكيمياء حفر الدكتور سامنتا بصمته في كل مكان. فيتذكره معلموه كطالب نبيه ويصفه شيوخ قريته بأنه يد العون التي تهدف للمساعدة دائمًا ويتذكره الكهنة كإنسان متحمس مخلص يجمع الأزهار للآلهة. وبهذا جمع الدكتور سامنتا البركات والدعوات للمستقبل، الأمر الذي مكنه من إقامة خليط من المؤسسات التعليمية من ضمنها معهد كالينجا للتكنولوجيا الصناعية ومعهد كالينجا للعلوم الإجتماعية اللذان جلبا المجد له ولموطنه أوديشا.

لقد خاطبت كلمات طاغور أمة كانت على وشك الميلاد. ولقد احتاج الكفاح للحصول على الحرية من الاستعمار أكثر من قالب للحكم؛ احتاج خارطة طريق للنمو والازدهار والوئام المجتمعي. إن قصة ازدهار أمة ما هي في النهاية إلا قصة أفرادها الذين اتحدوا ونحتوا طريقًا للتقدم بنجاح.

إن قصة الدكتور سامنتا تعكس الصحوة الحقيقية التي تحدث عنها طاغور في قصيدته الخالدة. فهي ليست قصة شخص واحد يأخذ خطوة ويُحدث تغييرًا؛ بل هي قصة ما يحدث عندما يقرر الإنسان بإخلاص وعزيمة أن يمضي قدمًا ’تجاه أفق الأفكار والأفعال المتسع’ ويتصرف وفقًا لمعتقداته.

إن ما نراه هنا إذًا هو قصة من شأنها أن تلهمنا وتساعدنا على فهم حقيقة أن المثالية محفورة في العمل ومدفوعة بإرادة حديدية بإمكانها أن تغير أمة وتحول العالم الذي نعيش فيه.

الدكتور أتشيوت سامنتا

يوصف الدكتور سامنتا على نطاق واسع بأنه أسطورة حية ليس فقط بسبب رحلته الخارقة للخروج من الفقر وإنما أيضاً بسبب سعيه الحثيث لمساعدة هؤلاء القابعين في قاع الفقر والجهل والإهمال.